المشكلة الأكثر جدية وحتمية لأي بستاني تكمن في التدهور التدريجي لخصوبة التربة وتآكلها. ويرجع ذلك ليس فقط إلى استهلاك المعادن، الذي يمكننا تعويضه بالأسمدة، بل أيضًا إلى فقدان الدبال وتدمير الميكروبيوم الخاص بالتربة. عندما نحصد المحصول ونزيل الأعشاب الضارة وبقايا النباتات، فإننا نحرم الكائنات الحية الدقيقة في التربة من المغذيات إلا إذا أضفنا السماد العضوي أو روث الحيوانات. لكن هناك وسيلة أخرى لتكوين تربة صحية متاحة للجميع، وهي استخدام المحاصيل السمادية أو الأسمدة الخضراء. فما هي المحاصيل السمادية؟
حقل البرسيم القرمزي، أحد أفضل المحاصيل البقولية السمادية.
المحاصيل السمادية والأسمدة الخضراء هي نباتات تُزرع لتحسين صحة التربة وتكوينها. وهي بديل، وأحيانًا مكمل، للسماد العضوي والروث والإضافات المعدنية. إن الزراعة المنتظمة للأعشاب والبقوليات السمادية تقلل من الحاجة إلى الأسمدة المعدنية وتساهم في تحقيق التوازن الطبيعي في التربة التي تستنزفها المحاصيل الزراعية باستمرار.
كيف تحسِّن التربة باستخدام المحاصيل السمادية
تحسين بنية التربة هو المهمة الأساسية للنباتات السمادية. ويتم ذلك من خلال إفرازات الجذور وتحلل الكتلة الخضراء.
ما هي التربة؟ يختلف العلماء في تصنيف مكوناتها العضوية، لكن معظمهم يتفقون على تقسيمها إلى “جزء نشط” (عضويات، بكتيريا، بروتينات بسيطة وسكريات) و"جزء مستقر"، وهو الدبال.
في الجزء النشط، يتم إطلاق النيتروجين وبعض البوتاسيوم والفوسفور. أما الجزء المستقر، أو الدبال، فهو نتاج تحلل السليلوز واللجنين، وهو مادة عضوية تُكسب التربة لونها الداكن وخصائصها الإسفنجية. بدون وجود المادة العضوية في التربة، لا يمكن أن يتكون الدبال بسبب نقص التغذية للكائنات الدقيقة والحيوانات. ومع ذلك، غالبًا ما نقوم بإزالة الأعشاب الضارة والجذور بالكامل، ونحرق مخلفات النباتات في نهاية الموسم بسبب أمراض النباتات المزروعة. فمن أين ستأتي المواد الضرورية لتكوين التربة؟
تتكون أيضًا جزيئات التربة بواسطة الكائنات الدقيقة التي تقوم بهضم المواد النباتية. هذه الكائنات تنتج “لاصقًا” من متعدد السكاريد، وهو المادة التي تشكل جزيئات التربة المفككة. البقوليات السمادية هي الأفضل لإنتاج هذه المتعددات السكرية، لكنها تتحلل خلال بضعة أشهر، ويصبح عملها أكثر وضوحًا في الموسم التالي.
الكائنات الدقيقة في التربة التي تجعلها خصبة.
الأعشاب السمادية، وخاصة الحبوب، لها آلية إيجابية على التربة من خلال إفرازاتها الجذرية المتفرعة التي تحتوي على مركبات مغذية تعمل بمثابة اللاصق الذي تستخدمه الكائنات الدقيقة في التربة.
المحاصيل السمادية تحمي التربة من التآكل
ميزة واضحة ومهمة لاستخدام المحاصيل السمادية هي حمايتها للتربة من التآكل. الطبقة العليا من التربة التي تحتوي على الدبال هي الأكثر أهمية والأكثر عرضة للتآكل. تذوب التربة العارية وتصبح مضغوطة بفعل الري وقطرات المطر، فيما تعمل المحاصيل السمادية كمخدة للمياه - وهي ميزة كبيرة مع حلول أمطار الخريف الغزيرة. هذا ليس كل شيء. بشكل ملحوظ، تزداد قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه وامتصاصها، وهو أمر بالغ الأهمية خلال فترات الجفاف الصيفي.
الحفاظ على المعادن واستقرار الميكروبيوم في التربة
تحسن المحاصيل السمادية دوران المواد المغذية من خلال تخزين المعادن التي كانت ستفقدها التربة مع الري في حالة الأرض الخاوية. الحبوب، بفضل منظومتها الجذرية الواسعة والسريعة التطور، هي الأكثر كفاءة في هذا الصدد.
تعمل المحاصيل السمادية أيضًا على تنظيم واستقرار الميكروبيوم الخاص بالتربة. تقوم معظم النباتات بإنشاء ارتباطات مفيدة بين جذورها والفطريات والبكتيريا. تساعد هذه الكائنات الدقيقة النباتات على التغذية مقابل تلقي السكريات من الجذور. كلما زاد عدد النباتات المزروعة، زادت هذه الارتباطات، مما يسهل على النباتات الزراعية إنشاء مثل هذه الروابط.
بكتيريا Rhizobium المثبتة للنيتروجين التي تُكون عقدًا على جذور البقوليات.
تساعد المحاصيل السمادية في زيادة تنوع الكائنات الدقيقة والحيوانات في التربة. يؤدي وجود كميات كبيرة من المواد العضوية المتحللة إلى جذب الديدان وزيادة أعداد البكتيريا التي تساعد النباتات على التغذية وتشكل بنية التربة وتُنتج الدبال.
إعادة النيتروجين إلى التربة
يمكن إضافة النيتروجين إلى التربة دون الحاجة إلى زراعة المحاصيل السمادية، كما يلاحظ الكثيرون. ومع ذلك، يتم إطلاق النيتروجين من الكتلة الخضراء المتحللة ببطء، مما يغذي النباتات المزروعة تدريجيًا أثناء نموها. سأكتب مقالًا منفصلًا حول النيتروجين الزراعي والبكتيريا المثبتة للنيتروجين، حيث لدي الكثير من المادة الجيدة حول هذا الموضوع.
مكافحة انضغاط التربة بالمحاصيل السمادية
ليس من الممكن دائمًا معالجة التربة الكثيفة أو التربة البكر يدويًا وحرثها. ولكن الفجل الياباني “دايكون” قادر على اختراق حتى 40 سم وفتح طبقات التربة المتصلبة بمحارثه الحية. كذلك، تعمل الحبوب السمادية ذات الجذور القوية بفعالية على تقليل انضغاط التربة.
مهندس زراعي يحمل جذور القمح المعمر.
مكافحة الآفات والأمراض
من خلال تأثيرها الإيجابي على تكوين التربة، تعمل النباتات المحسنة للتربة بالفعل على مكافحة الآفات من خلال تحسين المناعة العامة للنباتات. ولكن هذا ليس كل شيء. فالإفرازات الجذرية لبعض النباتات المحسّنة تعمل كمواد مبيدة للآفات ومبخرات طبيعية، تطورت عبر مسيرة تطورية طويلة لتصبح وسيلة للدفاع عن نفسها ضد الحشرات التي تتغذى عليها.
الجاودار يكافح الديدان الخيطية والتربس. لا تستطيع دودة السلك والمنّ والعديد من فطريات العفن تحمل زراعة الخردل. البرسيم ينظف المزروعات من الفطريات والبكتيريا التي تصيب نباتات العائلة الباذنجانية. بعض الأنواع مثل السرغوم، عشب السودان، اللفت، الخردل، والفجل الزيتي تساعد في السيطرة على أنواع مختلفة من الديدان الخيطية. وفقًا لبيانات حديثة، تم اكتشاف نوع من فول الصويا مقاومًا للفطر المسبب للبياض الزغبي، ويجري الآن دراسته وزراعته.
ديدان خيطية في التربة تنمو على الذرة.
في الطبيعة، يتم التحكم في الحشرات من خلال مفترسات طبيعية مثل الدبابير المفترسة، الطيور، والفيروسات والبكتيريا المتخصصة في مهاجمتها. تستقر الآفات الضارة على بقايا النباتات المحسّنة، مما يوفر غذاءً وفرصًا للبقاء للأعداء الطبيعيين المفيدين. والعديد من النباتات المحسّنة للتربة تجذب المفترسات التي تعيش في البرسيم، النباتات الصليبية، والفول البري. تتغذى هذه المفترسات على الرحيق، حبوب اللقاح، والمنّ والتربس المعتدل الضرر إلى حين ظهور غذاءٍ أكثر أهمية. بمعنى أن الحماة الطبيعيين للحديقة يستقرون في وقت مبكر للحماية من الآفات، وهم مستعدون للتعامل معها. النباتات أيضًا تستطيع إرسال إشارات برائحة معينة تجذب الحشرات المفيدة عند هجوم الآفات. وكلما زاد عدد النباتات، كانت مكافحة الحشرات أكثر فعالية.
الدبور المفترس - أحد أكثر المفترسات فاعلية التي تجذبها النباتات المحسّنة للتربة إلى حديقتنا.
من خلال ترك بضعة صفوف من النباتات المحسّنة دون قص، نوفر مأوى دائمًا ومصدرًا غذائيًا للحشرات المفيدة.
لعقود من الزمن، يتم ممارسة تنظيف الحقول والأسرة الزراعية عبر إزالة وحرق بقايا النباتات لمنع انتقال الأمراض إلى الموسم المقبل. نقوم بترك التربة مكشوفة، ونضيف في أفضل الحالات السماد العضوي إلى الحفر ومجموعة ضئيلة من الأسمدة المعدنية. ومع ذلك، فإن المسبب المرضي يكون موجودًا دائمًا، سواء اتخذتم تدابير لتعقيم أرضكم أم لا - فجراثيم الفطريات تنتشر عبر الهواء بدون عوائق، وبالتالي لا يمكن حماية النباتات من أمراض مثل الفطر المسبب لمرض البياض الزغبي أو عفن الجذور بهذه الطريقة. النباتات المحسّنة للتربة يمكنها المساعدة في تقوية الحواجز الطبيعية للنباتات المتمثلة بالجذور والسيقان والأوراق.
النباتات المحسّنة للتربة ضد الأعشاب الضارة
تقوم النباتات المحسّنة للتربة بتثبيط الأعشاب الضارة من خلال كثافة الزراعة والانبات السريع وإفرازات الجذور. على سبيل المثال، الغطاء الناتج عن الحشائش المقطوعة من جاودار الشتاء يمنع الأعشاب الضارة من النمو على الصعيدين الفيزيائي والكيميائي. بقايا الجاودار تدريجيًا تطلق مواد كيميائية تضر بنمو العديد من الأعشاب ذات الأوراق العريضة السنوية. الغطاء الحي يمنع الضوء والتغذية عن الأعشاب الضارة. ويسمى تأثير النباتات على بعضها البعض بـ “التضاد النباتي”.
خفض درجة حرارة التربة
النباتات المحسّنة للتربة تحمي التربة من الجفاف والارتفاع المفرط في درجات الحرارة خلال الفترات الحارة. ومع ذلك، يمكن للغطاء الشتوي تأخير ذوبان الثلوج وتسخين التربة ببطء لزراعة المحاصيل المبكرة. بينما النباتات المحسّنة التي تتم زراعتها ودفنها في التربة في الخريف قد تزيد قليلًا من حرارة الطبقة الخصبة بفضل عمليات التحلل.
مصادر المقال
أود أن أختتم بسرد المصادر التي اعتمدتُ عليها في كتابة هذا المقال، حيث لا أمتلك حتى الآن خبرة شخصية في استخدام النباتات المحسّنة للتربة (سيدرات). أتعامل مع المصادر بجدية (وأتفهم أن “جدية” هي مصطلح ذاتي). من بين أكثرها فائدة من حيث علم التربة:
- دوفبان ك. إ. “الأسمدة الخضراء في الزراعة الحديثة. أسئلة النظرية والتطبيق.”
- Managing Cover Crops Profitably, 3rd Edition, U.S. Department of Agriculture; Northeast Cover Crop بقلم ماريانا سارانتونيو، معهد روديل، 1994.
أما بقية الكتب الأكثر شيوعًا، فقد تضمنت العديد من الادعاءات المتناقضة؛ لذلك حاولت جمع أكبر قدر ممكن من الأفكار المشتركة بين جميع المؤلفين.
ألخص القائمة بالكتب التي اطلعت عليها أثناء إعداد المادة:
- ب. بوبليك، وف. غريدتشين “المنّ من السماء”;
- زييب هولتزر “المزارع الثوري”;
- ب. بوبليك “الحديقة المختلطة”;
- سالي جين كانينغهام “أصدقاء البستاني المخلصون”;
- “ثورة التبن الوحيد” لماسانوبو فوكوكا;
- “جنون المزارع” لفولكنر.
كتبت سلسلة مقالات كاملة عن النباتات المحسّنة للتربة، وسأقوم بنشرها تدريجيًا ضمن قسم “الحديقة من الصفر.”
أي النباتات المحسّنة للتربة أفضل وكيفية اختيارها
طرق مختلفة لزراعة النباتات المحسّنة للتربة
كيفية الزراعة، ومتى تتم الزراعة، ومتى يتم الحصاد ما هي أفضل الأسمدة الخضراء. مراجعة لأفضل الحبوب والصليبيات.
